(التكاملية الأعلامية في صنع الأحداث) - عن المركز العربي لأبحاث الفضاء الالكتروني

د. فاضل البدراني
كلية الأعلام – الجامعة العراقية
أن تنامي فاعلية الاعلام في تأكيد الحضور الجماهيري عد واحدا من ابرز سمات عصر الاعلام الرقمي الجديد الذي لم يعد يسمح لهيمنة قوة السلطة من تاثير في كبح جماح ثورات الشعوب وغمط حقوقها. لقد انهار زمن القوى السلطوية بجميع اصنافها واحتل سلاح الاعلام دورا بارزا في قيادة الشعوب وتوجيهها نحو اهدافها المشروعة ان لم يكن قد مثل الاداة الفاعلة بيد الناس في تظاهراتهم وتحدياتهم للحكام المستبدين
حتى أضحى الاعلام بنظر المراقبين والمختصين يشكل صراعا ما بين التقرير الاخباري والصورة المرادفة مع الدبابة والمدفع في سماء العديد من البلاد العربية التي شهدت تظاهرات وثورات شعبية ،ومنها بلدان كان النظام فيها يتسم بالقوة والهيمنة البوليسية مثل نظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام حسني مبارك بمصر ونظام القذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن والحبل على الجرار كما يقول المثل العربي،
فكان تأثير الصورة عبر الفضائيات أمضى قوة في رسم المشهد المعبر، لانها كانت تعطي الانطباع العام للاجواء ومنها اجراءات القسوة البوليسية بالهراوات والسلاح الحي كالدبابات والمجنزرات وحتى الطائرات وغير ذلك فضلا عن وظيفتها الحقيقية بنقل المعلومة الاخبارية بالسرعة والفورية مع الامتياز الذي تحقق في نقل الصورة الحية لمناطق التظاهرات وفقا للواقع ، مجسدة الراي القائل بان الصورة تنطق بالحدث قبل الكلام.



وما من شك بان التفوق الحاصل لفاعلية الاعلام بعده المعبر الحقيقي لصوت ومطالب الجماهير على الاله العسكرية التي تستخدمها الاجهزة النظامية اعتبر ابرز الاسباب في سقوط عروش كانت تركز كثيرا على تكريس هيمنتها على رقاب شعوبها والادهى من ذلك اتباعها سياسة التوريث السياسي، برز فيها تفوق الاعلام الفضائي على غيره من وسائل الاعلام الاخرى ، مع ان الاعلام الالكتروني كان القوى الاعلامية الاكثر تناميا يوما بعد يوم في مواجهة تحديات الانظمة الرسمية خاصة في البلاد العربية ، أذ تفاعلت شبكات التواصل الاجتماعية مثل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب مع تطلعات الجماهير فكانت ميادين تعبيرية ،سهلت على الناس الكثير من الفرص.
والامر الآخر ان معرفة دعاة التظاهر اهمية الفيسبوك للتواصل مع الاصدقاء واصحاب الهدف الواحد ما شكل تحديا خطيرا ضد الحكومات ،وسهل تمرير المعلومة في ثوان معدودات ،وهذا يشمل ممارسة اسلوب كشف العيوب بالصوت والصورة كما هو الحال لشبكة اليوتيوب،ولقد تواصل العمل الاعلامي في القضايا الانسانية بين مختلف وسائل الاعلام ولا سيما الاعلام الفضائي والاعلام الالكتروني، وكل حاول جاهدا لان يدخل ميدان الحرب والتحدي ضد الالة العسكرية ويثبت فاعلية دوره في التواصل مع مطالب ومطامح الناس التي غيبها جور الحكام لزمن طويل ،
وبالتالي خلق شيئا من التكاملية الاعلامية بان يمارس كل منها اختصاصا معينا ، ما دفع الى خوض ما يشبه المعركة ما بين الكلمة والصورة من جهة والالة المسلحة من جهة اخرى في معادلة الخصومة الشعبية والسلطوية، ولكن هذا التحدي خلق نوعا من التكامل والفاعلية غير المقصودة بين وسائل الاعلام بجميع اصنافها ، جمعتها حقائق الاوضاع التي تبرز كفة الجماهير ضد حكامها .ان الشيء المفيد في هذه الاشكالية التي نتحدث بصددها ولوج عصر الاعلام الرقمي الحديث وهي سمة القرن الحادي والعشرين الذي يؤشر بان زمن الهيمنة قد ولى وانتهى
وأصبح الناس سواء في اسيا او افريقيا او اية بقعة بالعالم يعيشون عصر الحرية والانفتاح وتدفق المعلومة في كل لحظة ومن ابعد بقعة في المعمورة ، بل انه زمن الكلمة الصادقة الذي لم يكن فيه للاسرار من وجود حتى ان البعض بات يطلق على عمل شبكات التواصل الاجتماعية بزمن غياب الأسرار الشخصية. وبرغم الامتياز الذي تحقق بفعل الاعلام داخل منطقتنا العربية في الفترة التي بدأت بسقوط الرئيس التونسي السابق زين العابدين،وكما أسلفنا فان بعض الفضائيات العربية مارست خطابا امتاز بسمة التوظيف السياسي على حساب الخطاب الاعلامي الحقيقي.
بحيث صنفت وسائل الاعلام في أزمة انظمة الحكم العربية الاخيرة الى نوعين الاول تمثل بخطاب الفضائيات الذي اقترب الى حد ما من مواقف سياسية حكومية معينة. والثاني هو خطاب شبكات التواصل الاجتماعي التي تدار من قبل الجماهير بشكل عفوي ،وبالتالي تمثل خطابا اجتماعيا خالصا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم