قاصة عراقية تفوز بمسابقة القصة القصيرة التي تجريها مجلة العربي وإذاعة BBC


قصص على الهواء هي مسابقة القصة القصيرة التي تجريها بي بي سي مع مجلة "العربي" التي نختار فيها كل اسبوع قصة ً جديدة وكاتبا جديدا.
القصة الفائزة تنشر في موقع البي بي سي BBC الالكتروني وعلى صفحات مجلة العربي، كما تقدم المجلة مبلغا رمزيا للفائز قدره مائة دولار امريكي..
شروط القصة بسيطة وهي الالتزام بخمسمائة كلمة كحد اقصى، ويمكنكم أن ترسلوا نسخة إلكترونية من القصة لبي بي سي إكسترا على العنوان التالي: bbcxtra@bbc.co.uk أو لمجلة العربي. إنها فرصة لنا للاستماع إلى قصص قصيرة مكتوبة بأقلامكم أنتم على الهواء.
القصة الفائزة لهذا الأسبوع: إجهاض
فليحة حسن-العراق
بمجرد شعوري بغثيان وعدم قدرة على تحمل الروائح المألوفة الى انفي أيقنت انه قد تكوّنَ في داخلي أقلقني هذا الأمر كثيرا ولم أفكر إلا في كيفية التخلص منه فكيف لي وأنا المعيلة لهم أن أضيف فماً سادساً للأفواه التي أكدُّ في سبيل حصولها على ما تأكله استجمعت شجاعة لم ألفها بي ورحت وبمجرد سماحها لي بالدخول والجلوس على كرسي قريب من مكتبها احكي لها وبلغة مبتلة بالدموع كيف انه قد حدث على سهوة منّا واني لا اقدر إلا أن أضحي به كيما يستمر إخوته في العيش لم ترضَ في بادئ الأمر ولكن معرفتها بحالي وسوئه جعلها تتلفتُ يميناً ويساراً وهي تسحب درج مكتبها وتهمس لي.

اسمعي صديقة ابتلعي من هذه الحبوب حبتين أربع مرات يوميا ولا تخبري أحدا بذلك مطلقا والآن أكملي تنظيف المكتب قبل أن يحضر المرضى، بسرعة كبيرة اختطفت من يدها أشرطة ( sipro dare وurail sepit ) ودسستها في جيب سترتي وعدت الى قطعة قماش ندية كنت قد تركتها على الطاولة الزجاجية الصغيرة الموضوع فوقها زهرية بسيطة، وبدموع تعددت أسباب انحدارها على وجنتي أكملت التنظيف، مرت ثلاثة أيام وأنا أتجرع الحبوب ولم يحدث شيء سوى ألم بسيط احتل ظهري ، في اليوم الرابع أضفتُ الى وجبات الدواء اليومية كوبين احدهما من القهوة المرة وآخر من الحناء السائلة، ولأنني اعلم إن للحركة دور كبير فيما عزمت عليه صرت اصعد السلم عشرات المرات يومياً وطلبتُ من أثقل بناتي وزناً أن تعتلي ظهري، وحين كان يغيب الجميع كنتُ اهرع الى قنينة الغاز في المطبخ وارفعها مراراً.
في الساعة التاسعة ليلاً بالتحديد من اليوم الخامس شعرت بازدياد الألم وتوزعه في جميع أجزاء جسدي في بادئ الأمر تمالكتُ نفسي قليلاً وسحبتُ غطاءً ثقيلاً ولففت به جسدي بعد أن تقرفصت في ركن الغرفة وبازدياد الألم صرت أعض على أصابعي واكتم أهات عديدة صار يولدها الألم.
لم تتجاوز الساعة النصف بعد التاسعة ليلاً حتى أيقنتُ تماماً إن ما سعيتُ له قد تحقق، لم التفتُ الى من كان يشاطرني الجلوس في الغرفة حين رميتُ بالغطاء وركضت يحملني الألم الى الحمام وقبل أن تمتد يدي لإغلاق الباب شعرتُ بانسيابه سائلاً مني وقد غطى الأرض،
بعد برهة ُفتِحتْ الباب وشعرتُ بوجود جسد طويل يحمل بيده رمحاً استلها ليغرسها في كتفي الأيسر، سقطتُ، اجتمع كل من كان في البيت واعني عائلتي وحملوني الى هناك، بوضوح تام كنتُ اسمعهم غير إنني فقدتُ حينها قدرتي على الكلام أدخلوني الى قاعة كبيرة لا يشوب جدرانها وسقفها الأبيض لون آخر،
أناس بأعمار وأجناس مختلفة احتلت القاعة معي لم يمرّ سوى بعض الوقت حتى دخلتْ فتاة ذات ملامح فائقة الجمال عشرينية تتسربل بثوب ابيض طويل تحمل بيدها سيفاً اقتربتْ من جمعنا وصارت تقطع الرأس تلو الآخر دون أن تسيل منه نقطة دم ، صرتُ ارتجف هلعاً وانزوي بين الجموع وكلّما قطعتْ رأساً وهوى جسده الى الأرض لذتُ بجسد آخر حتى انتهى الجمع الغفير جثثاً مفصولة رؤوسها،
اقتربتْ مني ونظرتْ إليّ باستغراب لتقول:
-ما اسمك؟
-صديقة بنت خديجة أجبتها وأنا ارتعد خوفاً فصرختْ في وجهي غاضبة
-لست أنتِ ورفعتْ السيف الى الأعلى وهوتْ به على كفي الأيمن، تلويتُ ألماً وأنا أحاول أن ادخل كفي المتدلية تحت إبطي الأيسر محاولة مني لتخفيف الألم،
صرختْ بهم أخرجوها فسحبتني قوة الى الخارج، استدرتُ الى الوراء فرأيتُ اثنين لم أتبين ملامحهما هرعتُ أعدو بسرعة فوجدت نفسي في مقبرة، كان الجميع منشغلاً بموتاه بين الحمل والحفر والدفن، زاد خوفي وازدادتْ معه سرعة عدوي بين الشواهد والقبور، من صمت المقبرة الذي لا تشوبه سوى معاول الحفر تسلل الى أذني صوت احدهم وهو يحث زميله على إكمال حفر القبرين بسرعة لا ادري من أين واتتني القوة وحملتني على التوقف والاقتراب والنظر إليهما،
بعين كادتْ أن تخرج حدقتها هلعاً نظرتُ الى اسمي مدوناً على شاهدة الى جانب الحفرتين.
لحظة من فضلكم؛ أرجو أن تنسوا كل ما قصته لكم أمي واسمحوا لي أن أقص عليكم ما حدث فعلاً لأنني ببساطة الراوي العليم الوحيد في هذه القصة، نعم أمي حاولتْ أن تنزلني قسراً من هناك، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل الذريع، صحيح إنني وأنا المعلق رأساً على عقب بحبلي السري كنتُ أتعرض ولمدة أيام لهزات عنيفة، إلا إنني كثيراً ما كنت ألوذ بركن ذلك المكان الدافئ ممنياً نفسي بالحصول على هدوء قادم بعدها. وحين شعرتُ بوصول مذاق سيء ممزوج بالمرارة من حبلي السري مددتُ كفايّ وضغطت بهما على الحبل فحال الضغط دون دخول ذلك المذاق مرة أخرى، نعم، أؤكد لكم إنني خرجتُ من هناك مكتملاً بعد مرور تسعة أشهر وتسعة أيام وتسع دقائق وتسع ثواني ولديّ على مصداقية كلامي دليلاً يكمن في شخص القابلة التي أخرجتني بسحبي من راسي أولاً بكلتا يديها ورفعي الى الأعلى بيد واحدة من قدميّ، فلا أنسى يومها كيف أخذتْ تتفحص ملامح وجهي بنظرات غريبة متكهنة بما سأصير إليه،
- ستغدو قاصاً، وأنا ادعوكم الى الدخول الى بؤرة الحكي لتتعرفوا عليها فهي طبعاً موجودة ضمن شخصيات القصة؛ نعم لقد جئتُ مكتملاً وعشتُ حياة طويلة، وها أنا اروي لكم ما حدث فعلاً وإلا كيف لامرأة بسيطة مثل أمي أن تكتب قصة كهذه تتداخل فيها الأزمنة ويصعب على متلقٍ واعٍ أن يعرف بها أيّنا كان البطل؟

2 تعليقات

  1. روعة وامكانية في استرسال الاحداث بشكل محكم

    ردحذف
أحدث أقدم